الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

إن الإسلام دين ودولة، وأمة ووطن، واجتماع ونظام.. فالدين في الإسلام لابد لإقامته من وطن يقام فيه، ولهذه الحقيقة رفع الإسلام قيمة الحفاظ على حرية الوطن واستقلاله وسيادته، وحق المواطن – بل واجبه- في أن يعيش حراً في وطن حر… رفع هذه القيمة إلى مقام الحياة؛ فأوجب القتال وإزهاق الروح في سبيل الدفاع عنه، قال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}[البقرة:191].

إن الإنسان بفطرته يحبُّ: مسقط رأسه… وأرضه… وموطنه الَّذي نشأ فيه… وترعَّرع في ربوعه.. وهذا قاسمٌ مشتركٌ بين كلّ البشر.

وإنا في بلد طيب مبارك بلغت عطايا المحسنين فيه مشارق الأرض ومغاربها، وقد ترعرعنا فيه ونشأنا بين بحره وبره وحلوه ومره، وإنه لتمر بنا هذه الأيام ذكريات عظيمة على قلب كل من عايش الحدث في تلك الأيام العصيبة.

في مثل هذه الأيام يتذكر أهل الكويت نعمة الله عليهم بأن خلصهم من معتد غاشم صال عليهم في ليلة ليلاء، غدراً وخيانةً، أقض مضاجعهم، وأسقط دولتهم، وشرد أبناءهم وقتل أبرياءهم.

هذه أيام وأحداث لا بد لنا فيها من وقفات وعبر، نتذكر فيها فضل الله علينا أهل الكويت، وكيف أبدلنا بعد خوفنا أمنا، وبعد فقرنا غنى، وبعد تشردنا استقراراً وتمكيناً.

إن نزول النعم واندفاع النقم ليس من جهد الإنسان ولا من عمله، بل هو منة من الله وحده أن سخر للإنسان أسباب النصر واندفاع المكروه، وزوال الغمة وانكشاف الأزمة، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: 53].

والمسلم يفرح بفضل الله ورحمته، يفرح بالقرآن والإيمان والهداية والنصر، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58].

وأما الفرح المطلق بلا قيد ولا ضوابط إنما ورد في القرآن الكريم في معرض الذّمّ، وهو الفرح الّذي يورث الأشر والبطر، قال الله: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76].

ومن طبائع البطرين الأشرين أنهم ينسون فضل الله عليهم، ويقابلون نعمته بالمعاصي والصد عن سبيله بعد أن ينعم عليهم وينجيهم من الأهوال والكربات، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[الأنعام:44].

إنّ ما يحصل في الاحتفالات من المنكرات والمخالفات شرعية لا يصح عقلاً ولا شرعاً أن يسمى فرحاً محموداً، بل هو من السفه وقلة العقل، وقد عرف الجرجانيّ السفه بقوله: “خفّة تعرض للإنسان من الفرح والغضب فيحمله ذلك على العمل بخلاف العقل وموجب الشّرع”.

إن أعظم نصر واستقلال بلد في التاريخ البشري، هو استقلال مكة المكرمة وتحررها من ربقة الشرك والكفر، ولما دخلها النبي عليه الصلاة والسلام فاتحاً طأطأ رأسه خضوعًا لله، وذلاً وشكرًا له، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، ولم يأخذه ما يأخذ الفاتحين من تعاظُمٍ واستِكْبار، وعلو في الأرض وطغيان، واستباحة لكل شيء دون رحمة ولا ابتغاء للخير.

وليعلم الجميع أن أمن وأمان المجتمع وسلامته من العذاب، هو بإقامته لشعائر الله وشكره على نعمه وعطاياه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:7].

نسأل الله الكريم أن يمن على هذه البلاد وجميع البلاد الإسلامية الأمن والأمان والسلامة والإسلام

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين