الحمد لله القائل “كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” والقائل- ومن أحسن منه قيلاً-:” وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”، نحمده سبحانه ونشكره، نثني عليه الخير ولا نكفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، جاهد الكفار بلسانه وبيانه وبنانه ممتثلاً أمر الله: “وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا”، وأمره: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ”، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإن مما آلم المؤمنين، وجرّح مشاعرهم، وأدمى قلوبهم، وأرَّق منامهم، وأجرى دمعهم في مآقيهم، ما حصل ويحصل للمسجد الأقصى المبارك – مسرى رسول الله r ومبدأ معراجه-حيث قامت الشرطة الصهيونية اليهودية باقتحام القبلة الأولى للمسلمين، وترويع الآمنين، والاعتداء على الراكعين الساجدين، مستخدمة الرصاص المطاط، تلفت على إثرها إحدى بوابات المسجد المبارك، وأصيب العشرات من إخواننا المسلمين المصلين في البقعة المباركة.

ولا ريب أن هذا الإرهاب الذي يقوم به الصهاينة على مرأى ومسمع من العالم بأسره يعتبر مخالفًا للشرائع السماوية كلها، والأعراف الدولية، والقوانين الأرضية، ومخالفاً لما تدعو له القوة العالمية من التزام الحوار والهدوء والتحلي بضبط النفس، ونبذ الإرهاب والعنف، فإن لم يكن الاعتداء على المصلين العزل في المصلى إرهاب فليت شعري ما هو الإرهاب، يا دعاة السلم ونبذ العنف؟!!

هذا وإن الله تعالى قد أخذ الميثاق في كتابه على من يعلم أن يبلغ العلم:”وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ “، وعليه فإن الميثاق يقتضي ممن يعلم أن يوجه خطابه لقادة العالم الإسلامي بأن يقفوا وقفة مشرفة تنحت أسماءهم في سجل الخالدين في تاريخ أمتنا المجيدة، وذلك بالدفاع عن حياض مسرى رسول الله r، وذب الأذى عن أرواح أبناء الأمة المسلمة المجيدة؛ لحقن دمائهم الزكية التي تهراق على ثرى الأرض المباركة، وتخلصهم من براثن الصهاينة الأرجاس الذين يعيثون في الأرض فسادًا، وقد قال نبينا r: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يُسْلِمُهُ”، فلا يوقع الظلم عليه، ولا يعطيه لمن يظلمه، ولا يخذله حين يحتاج المسلم لنصرة أخيه المسلم، ومن يقم بذلك ويحمل شرف الدفاع عن حق أمتنا المنتهب، يفوز بالبشرى النبوية: “مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ”.

وأما أمة الإسلام فإن الواجب عليها أن تَعلم أن المسجد الأقصى حق رباني لا يحق لأحد من أبناء الأمة المجيدة -مهما كان وصفه أو منصبه أو مكانته- أن يتنازل عنه أو يسلمه لغير المسلمين، فهو مرتبط بوجود المسلمين ونبيهم الأمين r: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”، كما وقد ربط المعصوم r بين المسجد الأقصى وبين المسجد الحرام ومسجده المبارك برباط وثيق إلى يوم القيامة، لا تنفك عراه ما بقيت الدنيا: “لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مسجد الْكَعْبَةِ , وَمَسْجِدِي هَذَا , وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى”، فالواجب على الأمة ممثلة بدعاتها والمربين فيها غرس هذه العقيدة في نفوس أبنائها، وتوارثها كابرًا عن كابر.

أما أهلنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فلهم منا تحية إجلال وإكبار يبلغ صداها الدنيا، تحية من لا يملك لهم إلا الصدع بكلمة الحق والدعاء لهم بظهر الغيب، بوركت جهودكم وثبت الله أقدامكم ونصركم على عدونا وعدوكم وأعقبكم الحسنى، وإن الله قد قال في كتابه:” قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ”، وإن الارتقاء إلى العلا يكون من بوابة الألم، وإنما تنتصر أمتنا المجيدة حين ينسج جلباب النصر بخيوط الأمل، وقد قال الله مرشدًا عباده إلى سبيل النصر: “فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ”.

والله أعلى وأجل وأكرم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين